الثلاثاء، 26 مايو 2015

صاعود النخل

جالساً في ظل حائط قديم في شارع متهالك من ركض الاطفال و لعبهم... لكن الشارع يبدو هذه المرة هادئاً، بالضبط  كما هو الرجل العجوز الذي يبقى صامتاً طوال الوقت




 كل ما مررت به يشغل افكاري و يجتاحني فضول كبير في معرفة ما يجول في خاطره، لابد ان افكاره تدور حول ما وصل اليه حاله بعدما كان يعمل ( صاعود نخل ) كان الكل في المدينة يحبونه و لا يأتمنون غيره على حدائقهم، شاهدته مرة يتسلق النخلة الكبيرة في حديقة منزلي، لم استطع ان أبعد ناظري عنه، في تلك اللحظة  كانت سرعته في التسلق تدهشني  و في غضون ثوان معدودة كان قابعا في قمة النخلة، يعتني بها و كأنها فتاته المدللة التي لا يطيق الابتعاد عنها، كان يشذب سعفات النخلة و كأنه يمشط شعر عروس و يهيأها  لليلة العمر.
 يقف شامخا فوق النخلة.. كأنه حقق انتصاراً كبيراً على خيوط الشمس الذهبية المنعكسة  على وجهه الاسمر، لا يتذمر من شدة الحر في صيفنا اللاهب و يكتفي بعد نزوله من نخلته بقدح من الماء البارد رأيته مرارا يقف امام تلك النخلة، كما كنا نقف يوم الخميس لتحية العلم، لقد كان يقوم بمراسيم خاصة به، لم يكن بحاجة الى شخص يحادثه عن همومه، فلطالما كانت تلك النخلات صديقاته المقربات و اعتقد بأنه كان يروي لهن قصص عما يمر به طوال حياته، لم يعرف سر هذا الرجل سوى نخلاته...
لقد كان حين رأيته اليوم يشبه النخلة، ما زال شامخا في قلبه، لكن جسده النحيل انحنى كما تنحني السعفات نحو الارض، رسم الزمن اخاديدا عميقة على جدران وجهه، لم يكن يقوى على السير بشكل جيد فقد اجهده التعب و لم يعد قادراً على ممارسة تلك الهواية التي شغفه حبها.
لابد انه كان يقارن بين الوقت الذي كان يغازل فيه النخلة عند صعوده الى قمتها و على ما هو عليه الان.. مضى يومان على اخر مرة شاهدته فيها جالسا في بداية الشارع الذي اسكن فيه.

لقد اشتقت حقا لرؤيته جالساً في مكانه المعتاد عند عودتي من العمل، لكن لم يكن الشارع هادئاً كالعادة، عدت الى بيتي مسرعة، سألت امي عما يجري فحاولت اخفاء دموعها جاهدة لكنها لم تتمكن من ذلك، انفجرت بالبكاء و هي تخبرني بالحقيقة، بأن الرجل الذي لطالما شغل تفكيري و طالما تحدثت عنه فارق الحياة، ركضت هارعة الى النخلة التي اراها هذا اليوم بمنظر لم يسبق لي ان رأيتها فيه لقد رأيت النخلة حزينة منكسرة و كأنها ترملت هذا اليوم، لقد كانت كمن مات لها حبيب، اخيرا نطقت النخلة التي كانت صامتة طوال السنوات الماضية.. لقد باحت لي بالسر الذي بحثت عنه طويلاً، قالت بأن صاعود النخل لم يكن يأخذ اجرة من أي شخص يقوم بتلقيح نخلته.. لقد كانت النخلة طوال تلك السنوات تعلمه حب الوطن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق