هل هناك من علاقة
بين شدة الأعاصير وظاهرة الاحتباس الحراري؟
وهل هناك من علاقة
بين شدة إعصار ساندي والسياسة العالمية حول الاتفاقيات الاطارية للتغير المناخي في
الأمم المتحدة التي لم يتفق الفرقاء حولها في اجتماعات كوبنهاجن وكانكون وديربان
والبرازيل منذ عام 2009 حتى يومنا هذا؟
وهل لشدة اعصار
ساندي آثار على الانتخابات الأمريكية خلال الأيام القادمة؟
تقع مسؤولية نحو 90
% من تلويث العالم بفعل الصناعات والنشاطات الزراعية والحيوانية والخدمية المختلفة
على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا والدول الصناعية الكبرى في
آسيا وأستراليا، وفي الصين بشكل خاص، وقد جاءَت نتيجة سد حاجات البشرية ورغباتها
اللامحدودة، والتي لم تصل إلى حد وعي الذات الملوثة للطبيعة بعد! فهل هناك من
علاقة بين التلوث وشدة الأعاصير؟ وهل التلوث ناجم عن الدول الغنية في الشمال فقط؟
إن التحولات في
استخدامات الأراضي في دول الجنوب تسهم أيضاً في تلويث العالم، ويؤدي اندياح التصحر
في العالم إلى نقص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، كما يسهم التوسع العمراني في
تقليص رقعة الأراضي الزراعية وفي زيادة الحاجة إلى الإسمنت؛ فإن تعاظم صناعة
الإسمنت هو ملوث أساسي للبيئة أيضاً.
بدأ إعصار ساندي على
هيئة عاصفة عادية ،اندمجت مع نظام جوي معقد يتشكل عادة من شهر تشرين الأول إلى شهر
نيسان في المناطق الحارة والرطبة(..) بتوافر هواء بارد في الطبقات العليا من الجو
ليصبح اعصارا رهيبا، وعندما تصطدم هذه الكتل الرطبة الضخمة بعواصف باردة في الشمال
سوف تسقط الثلوج بكثافة فريدة من نوعها قد تصل إلى ارتفاع مترين، أما عندما تصطدم
بعاصفة رطبة قادمة من الغرب فسوف تنهمر كميات هائلة من المياه.
وإذا صاحبت ذلك رياح
عاتية، كما هو متوقع، فلن تسلم الأشجار والكثير من الأبنية أو البنى التحتية من
مياه ومجار ٍ وكهرباء واتصالات من الدمار على نطاق واسع.
لا يمكن التنبؤ بدقة
الموقع الذي سوف يضرب عنده الإعصار على اليابسة، حيث يتوقع أن يكون الدمار على
أشده عند ذاك وقبل أن تبدأ اليابسة في امتصاص جزء من طاقة الإعصار، ولكننا نتوقع
أن الإنذار المبكر سوف يسهم في تقليص حجم الإصابات بين السكان، علماً بأن أثر هذا
الإعصار ربما يمتد على طول السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية لغاية كندا.
إن خطورة الإعصار
تكمن في تحركه ببطء شديد، مصاحب لرياح عاتية وفي ظلال قمر مكتمل ومد بحري مرتفع،
صوب المناطق المزدحمة بالسكان والمراكز الاقتصادية في نيويورك ونيوجيرسي
وفيلادلفيا وغيرها من المدن الأمريكية، أما الأخطر من ذلك بكثير فيتمثل في أن هناك
مفاعلات نووية عديدة تقع في مسار الإعصار لا يمكن لأحد أن يتنبأ بحجم الأضرار التي
قد تلحق بها، وبخاصة المفاعلات النووية الموجودة في منشأة سالم النووية Salem وقدرتها 2332 ميجاواط ومفاعل Hope reek بقدرة 1661 ميجاواط، في ولاية نيوجيرسي، فضلاً عن
أقدم مفاعل نووي في الولايات المتحدة Oyster Creek الذي بدأ يعمل في عام 1969 والذي هو على وشك أن
يتعرض لغضب الإعصار ساندي ورياحه العاتية والأمطار الغزيرة المرافقة له.
وقد أغلقت إحدى
المحطات النووية وتوقفت عن العمل مساء الأحد الماضي خوفاً من الأضرار التي قد تلحق
بالشبكة الكهربائية التي يغذيها وبخطوط التبريد، ونتوقع أن نسمع عن إجراءَات
مماثلة في المحطات النووية ومحطات توليد الكهرباء الأخرى في منطقة الكارثة.
يسبب الاعصار الذعر
بين السكان ؛ إمكانية توقف المولدات الاحتياطية عن العمل بعد انقطاع الكهرباء، كما
حدث في مستشفى جامعة نيويورك NYU Langone
حيث تم إخلاء المستشفى من المرضى بالكامل.
وإذا حدث ذلك في
المحطات النووية، كما حدث في كارثة فوكوشيما النووية عندما تعطلت مضخات التبريد
التي كانت في حالة مزرية قبل الزلزال، فإن الأضرار سوف تكون عظيمة وآثارها سوف
تستمر لأجيال قادمة.
فإذا كان إعصار
ساندي هو الإعصار الأضخم بعد إعصار كاترينا، فان هذا يعني أنه قد آن الأوان لأن
تدرك الولايات المتحدة والصين، حيث غدت الأخيرة أيضاً تتعرض لعواصف لم تشهد لها
المنطقة الآسيوية مثيلاً، أن الانحباس الحراري الذي صنعه الإنسان المعاصر بنمط
حياته الفارهة غير المسؤولة، فضلاً عن التلويث الكبير للغلاف الحيوي للأرض بفعل
حرق الوقود الأحفوري وقطع الغابات الممطرة وعدم الالتزام بالاتفاقيات الإطارية
للتغير المناخي، إنما هو السبب الرئيس لاستفحال ظاهرة الأعاصير وزيادة شدتها،
الأمر الذي ربما يجعل من تكلفة الشروع في معالجة ظاهرة الانحباس الحراري الآن أقل
من الخسائر التي تنجم عنها بمئات المليارات من الدولارات سنوياً، وذلك وفق تقرير
سترن الانجليزي حول التغير المناخي الذي نشر عام 2006، حيث اقترح أن خفض طن واحد
من ثاني أكسيد الكربون يكلف اليوم 25 دولاراً، بينما يقدر ضرره بمبلغ 85 دولاراً،
فإذا شرعنا الآن في تصحيح الوضع فإن ذلك سوف يكلفنا فقط 5% من الناتج القومي
الإجمالي سنوياً بينما من المتوقع أن يكلفنا 20% من الناتج القومي الإجمالي إذا
تأخرنا قليلاً.
لقد بات ضرورياً
النظر في اعتراف الدول جميعها بخطورة « ظاهرة تلويث العالم «والاتفاق العلني على
السعي لتضييق الخناق على ظاهرة الانحباس الحراري بحيث لا تزيد معدلات درجة الحرارة
من ارتفاعها في هذا القرن عن درجتين سلسيوس. وهذا أمر شبه مستحيل في ضوء ما يحدث
حالياً من تلويث نتيجة تعاظم اقتصاد العالم وشراهته في الاستهلاك والتنافس
والربحية، فإذا لم نشرع في اتخاذ إجراءَات صارمة الآن فإن ظاهرة الانحباس الحراري
سوف تستمر في التفاقم لسنوات عديدة قادمة.
وتتضح السياسة
العالمية العامة بخطوطها العريضة بالاتفاق على تخصيص صندوق لغايات «التكيف» في
السنوات القادمة، علماً بأن المبلغ المخصص لهذه الغاية لم يُجمع منه سوى نسبة
ضئيلة جداً لغاية تاريخ اجتماعات كانكون في المكسيك في نهاية عام 2010، أي بعد سنة
كاملة على مؤتمر كوبنهاجن؛ والأخطر من ذلك هو أن مفهوم «التكيف» يوحي بالتأقلم مع
ظاهرة الانحباس الحراري ولا يقدم أي حلول للحد منها أو التخفيف من الأسباب التي
قادت إليها في الأصل، وذلك منذ مطلع الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر!!
الانتخابات
الأمريكية
إن أثر «إعصار ساندي»
على الانتخابات الأمريكية قد يكون أعظم من الدمار المادي، الذي قد ينجم عن غضب
الإعصار المدمر ساندي في بلد متقدم كالولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة عند عتبة
الانتخابات الرئاسية خلال أيام.
إذ أن إغلاق التصويت
المبكر على المرشحين بسبب الإعصار، في ولاية ميريلاند وغيرها من الولايات، سوف يضر
بعدد الاصوات التي يأمل أن يحصدها الرئيس أوباما، فيما سوف يتطلع العالم بلهفة
وتشوق واهتمام لمراقبة نتائج الإجراءَات الحكومية الفدرالية للرئيس أوباما ومدى
نجاعتها في مواجهة الكارثة، فإذا نجحت يصعد نجم الرئيس أوباما وتتراجع شعبية
المرشح رومني وإذا فشلت فربما يهوي نجم الرئيس الحالي كما هوى نجم جورج بوش بعد
إعصار كاترينا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق